همسات في العالم الرقمي
الحديث عن العالم الرقمي هو ولا ريب حديث أشبه ما يكون بمعالجة الغيبييات ، وعالم الغيب محفوف بكل ما من شأنه ضحض أي جدال واغتيال أي وجهة نظر خليقة أن تُرسي قواعد منطقية وتمد جسوراً افتراضية نحو حقائق ملموسة جميعنا يشعر بها ولا يتبينها
فهل فكر أحدنا في ماهية وجودنا – وأعني التواجد بين أرجاء هذا العالم الرقمي – وهل نحن أشخاصاً حقيقية أم أن لفظ افتراضي قد التصق بكيونتنا الحسية ودفعنا أمامه كأحد موجودات هذا العالم الغريب ؟ بالطبع هناك قليل ممن فكروا في ذلك
لكن دون الخوض في تفاصيل كثيرة سوف تأخذني بعيداً عما أنا بصدد الحديث عنه ، أعود لإحدى همسات هذا العالم الرقمي وهي المنتدى
فجميعنا يعرف ما هو المنتدى ، لكن ليس كلنا يعرف قواعد واصول التعامل مع المنتديات ، وقد قرأت الكثير من هذه الاصول تناولها وتناقلها شباب واعي ، لكني لست هنا للتكرار بل أني احاول جاهداً إلقاء الضوء علي زاوية مستترة حيال هذا الأمر
فمن آداب التعامل مع المنتديات مراعاة شعور الغير وعدم الدخول في صراعات جانبية ،والاعتذار عند الخطأ ، وعدم تصيّد الهفوات
منها أيضاً احترام وجهات النظر مهما كانت وتشجيع الآخر علي الكتابة ؛ لأن رصيد أي منتدى علي شبكة الانترنت هو حاصل إبداع أعضائه
أما منتدي منابر ثقافية فقد أضاف شرطاً من شروطه أراها لأبد أن تُعمم لتصبح قاعدة من قواعد الذوق ؛ وهي عدم استخدام اللهجة العامية والتي تُعد إحدى كوارث ومصائب المنتديات العربية ، لأنه ليس من المعقول أن تغزو تلك اللهجات أقلامنا بعدما هزمت ألسنتنا ، وهذا فرق جوهري بين منتدياتنا والمنتديات الأجنبية
ففي أحد المنتديات الألمانية - علي سبيل المثال – رفض أعضائه أنفسهم الرد علي أي مشاركة أو تعليق مكتوب بلغة غير لغتهم مما ألقي إلي الأذهان خواطر النازية والجنس الآري ، لكن حقيقة هم شعب له انتماء للغته ، يحافظ عليها ويحترمها ، أما نحن .. فقد طالعت يوماً في أحد المنتديات عبارة انجليزية مكتوبة بحروف عربية كرغبة في استخفاف الدم ، أو بعد هذا نقول أن هناك مراعاة للعمومة فيمن هلك ؟؟؟
هذا ولا شك قليل من كثير ، لكن من أراد الوقوف علي قواعد وأصول التعامل مع المنتديات دون البحث أو التقصي فعليه تطبيق معايير الذوق في الحياة العامة ، فليس معني أننا لا نرى بعضنا البعض أن يكون هذا مبرر قوي للهجوم علي الغير دون خشية العواقب ، وليس معني أننا فوق صفحات هذا العالم الافتراضي شخوص معنوية أن نكون قد فقدنا الإحساس وانسلخنا عن أجسادنا كأرواح تهوم بحالة انفصام ارادي ، فنرى التافه الضعيف يحاول إثبات وجوده فيثور ويزبد ويرغد ، ونرى رصين العقل ، هادئ الطباع يحاول أن يجاري هذا الطوفان الكاسح من السفه والتردي مما يعود عليه بالضرر لأن بين الحياة الواقعية وبين هذا العالم الافتراضي ثمة الكثير من الخيوط الرابطة
وصل سياق الحديث الآن إلي محطته الأخيرة ، وهي الزاوية المظلمة التى أردت من البداية إلقاء الضوء عليها . فقد تحدثت آنفاً باختصار شديد عن اصول التعامل مع المنتديات ، وجاء الدور لتناول اصول الكتابة في المنتديات والتي يعرفها الكثير خاصة هنا في هذا المنتدي ، لكني آثرت أن تكون تذكرة علّ أحداّ ينتفع بها
فحين الشروع في كتابة أي موضوع لابد أن نضع القارئ بين أعيننا حتى يصبح المقال في مقامه الصحيح مع الأخذ في الاعتبار أننا نحيا عصر جنوني ، كل شيء فيه يتحرك بسرعة حتى أننا لم نعد نملك القدرة أو الوقت الكافيين لقراءة موضوع طويل – كهذا الموضوع .. عذراً – لهذا يكون الاختصار الذي لا يخل بالمعني هو سيد الموقف ، وتكون القاعدة الذهبية أن خير الكلام ما قلّ ودلّ ، ثم يأتي دور التعقيبات والتي هي من الأهمية بمكان ولا يصح من باب الزوق وحُسن المعاملة إغفالها من جهة صاحب الموضوع حتى وإن كان التعقيب لا يضيف شيئاً للموضوع ، حتى وإن كان التعقيب مجرد إطراء رقيق ، حتى وإن كان صاحب التعقيب لا يبغي من وراء تعقيبه سوى زيادة عدد مشاركاته بالمنتدي ، حتى وإن كان التعقيب هو كلمة مشكور البغيضة
يتعين علي صاحب الموضوع الرد عليه وعدم تجاهله ليكون اسمه هو آخر اسم في قائمة التعليقات
يبقى أمر أخير وهو أننا جميعاً بيننا علاقة خاصة ، شديدة الخصوصية ، لا توجد في العالم الحقيقي ، أو حتى في العالم الافتراضي إلا فوق صفحات المنتديات ، وعلينا استغلال هذه العلاقة بمد جسور من الود والترابط لأن أغني المنتديات أكثرها إبداعاً وأعمقها دفئاً
وكل توفيق هو من عند الله ، وكل تقصير هو من أنفسنا
نسأل الله أن يتجاوز عنا ولا يؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا
منقول